- معالمٌ في بر الوالدين ( 1 ) .
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، و بعد :
- يا أيها الأبناء :
لقد جعل الله الناس شعوباً و قبائل ليتعارفوا ، و تقوى تلك المعرفة أو تضعف بحسب نوع الرابطة التي تجمعهم ، و الروابط التي تجمع بين الناس كثيرة متنوعة ؛ فالإسلام هو الرابطة العامة ، و هناك روابط لها شأن أخص كرابطة الرحم و المصاهرة و الجوار و الصحبة و غير ذلك .
- يا أيها الأبناء :
و لما كان الناس يتفاضلون في الحقوق و الصلة بحسب قوة الروابط و قربها ، من بُـعدها رتَّـبَ الإسلام على ذلك أحكاماً و حقوقاً و واجبات تبنى على أساس تلك الرابطة و نوعها .
فأمر بوصل رابطة الرحم دوماً و حذَّر من قطيعتها ، كما جعل من حق رابطة الجوار أن يكرم الجار و لا يهان ، و يحسن إليه و لا يؤذى ، و كذلك ما يتبع الجار من حق الشفعة و غيرها
- يا أيها الأبناء :
إن من أعظم الروابط بين الناس رابطة خصها الإسلام بمزيد من الذكر و حرّص عليها أكثر من غيرها ، بل و أمر بوصلها و الإحسان إليها في أحلك الظروف ، و حذر من المساس بأصحابها ولو بأدنى الألفاظ ، تلكم الرابطة : هي ما يجمع كلاً منا بأصله الذي جعله الله تعالى سبباً لوجودنا ، تلكم الرابطة هي رابطة الوالد بأمه و أبيه ، رابطة الوالدين .
- معاشر الأبناء :
قال تعالى : ﴿ و قضى ربك ألاَّ تعبدوا إلاّ إياه و بالوالدين إحساناً إمَّـا يبلغنَّ عندك الكِـبَـر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أوفّ و لا تنهرهما و قل لهما قولاً كريماً ۞ و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ۞ ﴾ - الإسراء : 23 ، 24 - .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : ( و لهذا قرن بعبادته بر الوالدين ، فقال : قال تعالى : ﴿ و بالوالدين إحساناً ﴾ كقوله في الآية الأخرى : ﴿ أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير ﴾ - لقمان : 14 - ، و قوله ﴿ إمَّـا يبلغنَّ عندك الكِـبَـر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ﴾ أي : لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى لا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء . ﴿ و لا تنهرهما ﴾ أي : لا يصدر منك إليهما فعل قبيح .
كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله : ﴿ و لا تنهرهما ﴾ أي : لا تنفض يدك عليهما ، و لما نهاه عن القول القبيح و الفعل القبيح أمره بالقول الحسن و الفعل الحسن فقال : ﴿ و قل لهما قولاً كريماً ﴾ أي : ليناً طيباً حسناً بتأدب و توقير و تعظيم .
﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴾ أي : تواضع لهما بفعلك .
﴿ و قل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً ﴾ أي : في كبرهما و عند وفاتهما ) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى .
- يا أيها الأبناء :
قال تعالى : ﴿ يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين و الأقربين و اليتامى و المساكين و ابن السبيل .. ﴾ – البقرة : 215 - .
و قال تعالى : ﴿ واعبدوا الله و لا تشركوا به شيئاً و بالوالدين إحساناً ﴾ – النساء : 36 - .
و قال تعالى : ﴿ قل تعالوا أتلُ ما حرَّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً و بالوالدين إحساناً ﴾ – الأنعام : 151 - .
و قال تعالى : ﴿ و وصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ و فصاله في عامينِ أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير ﴾ – لقمان : 14 - .
و قال تعالى : ﴿ و وصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً و وضعته كرهاً و حمله و فصاله ثلاثون شهراً ﴾ – الأحقاف : 15 - .
و قال تعالى : ﴿ و وصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ و فصاله في عامينِ أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير ﴾ – لقمان : 14 - .
و قال تعالى : ﴿ و وصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً و وضعته كرهاً و حمله و فصاله ثلاثون شهراً ﴾ – الأحقاف : 15 - .
- يا أيها الأبناء :
قال تعالى : ﴿ و إن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ﴾ – العنكبوت : 8 - .
و قال تعالى : ﴿ و وصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً و وضعته كرهاً و وضعته كرهاً و حمله و فصاله ثلاثون شهراً ﴾ – الأحقاف : 15 - .
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تدل نصاً أو تضمناً على حق الوالدين
و أما أحاديث بر الوالدين في السنة النبوية فكثيرة جداً فمن ذلك :
ما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم : أي الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟ قال : (( الصلاة على وقتها )) قلت : ثم أي . قال : (( بر الوالدين )) . قلت ثم أي ؟ قال : (( الجهاد في سبيل الله )) متفق عليه .
و عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال : (( أمك )) قال : ثم من ؟ قال (( أبوك )) متفق عليه .
و عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضاً قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف من أدرك أبواه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة )) أخرجه مسلم .
قال الإمام النووي : ( و قوله (( رغم أنف )) معناه : ذل ، و أصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل ، و قيل : الرغم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه . و فيه الحث على بر الوالدين و عظيم ثوابه ، و معناه : أن برهما عند كبرهما و ضعفهما ، و الخدمة أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة ، فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة و أرغم الله أنفه ) انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى .
و عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال : أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه و سلم فقال : أبايعك على الهجرة و الجهاد ابتغي الأجر من الله تعالى ، فقال صلى الله عليه و سلم : (( فهل لك من والديك أحد حي )) ؟ قال : بل كلاهما . قال : (( فتبتغي الأجر من الله تعالى ؟ )) قال : نعم ، قال : (( فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما )) متفق عليه ، و هذا لفظ مسلم
و في رواية عند أبي داود قال رجل : جئت أبايعك على الهجرة و تركت أبويَّ يبكيان . فقال صلى الله عليه و سلم : (( ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما )) .
و في رواية لهما : جاء رجل على النبي صلى الله عليه و سلم فاستأذنه في الجهاد ، فقال : (( أحي والداك ؟ )) قال : نعم ، قال : (( ففيهما فجاهد )) .
:: إلى هنا و نصل إلى نهاية الحلقة الأولى ::
:: على أمل اللقاء بكم مجدداً في الحلقة الثانية في أقرب وقت ::
المصدر
القلب الشاكي - منتديات رفيق الدرب vb.albashiri.net